الدهون المهدرجة، أو الدهون المتحولة كما يُشار إليها أيضًا، تعد من أكثر المكونات الغذائية المثيرة للجدل في العصر الحديث. بدأت قصة هذه الدهون مع محاولات العلماء تطوير طرق جديدة لإطالة مدة صلاحية الزيوت النباتية واستخدامها بفعالية أكبر في صناعة الأغذية. وبالرغم من أن الفكرة كانت في الأصل لتحسين المنتجات الغذائية، إلا أن الدهون المهدرجة أثبتت لاحقًا أنها تشكل مخاطر صحية كبيرة.
كيف ظهرت الدهون المهدرجة؟
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان هناك حاجة متزايدة لتطوير بدائل اقتصادية ومستقرة للدهون الحيوانية المستخدمة في الطهي والخبز. في عام 1901، اكتشف الكيميائي الفرنسي بول ساباتييه عملية الهدرجة، والتي تتمثل في إضافة الهيدروجين إلى الزيوت النباتية لتحويلها من حالة سائلة إلى حالة صلبة أو شبه صلبة. كانت هذه العملية تُعتبر ثورة في صناعة الأغذية، حيث قدمت طريقة لتحسين مدة صلاحية الزيوت النباتية وزيادة استقرارها في درجات الحرارة المرتفعة. بحلول أوائل القرن العشرين، تم استخدام الدهون المهدرجة على نطاق واسع في منتجات مثل السمن النباتي، حيث كانت تُروج كبديل صحي للدهون الحيوانية.
كيف بدأ الناس استخدامها؟
مع مرور الوقت، أصبحت الدهون المهدرجة شائعة بشكل متزايد في المطابخ المنزلية وصناعة الأغذية، خاصةً في البلدان الغربية. تم الترويج لها كبديل مثالي للزبدة والدهون الحيوانية الأخرى، مما أدى إلى انتشارها في صناعة السمن النباتي، والمعجنات، والحلويات المعبأة. شركات الأغذية وجدت أن استخدام الدهون المهدرجة يمنح منتجاتها قوامًا أفضل، ويحسن من نكهة الأطعمة، بالإضافة إلى إطالة مدة صلاحيتها، وهو ما جعلها عنصرًا رئيسيًا في الأطعمة المصنعة.
كيف تتم صناعة الدهون المهدرجة؟
صناعة الدهون المهدرجة هي عملية كيميائية معقدة، تعتمد بشكل أساسي على الهدرجة. يتم أخذ الزيوت النباتية غير المشبعة، التي تكون في حالتها الطبيعية سائلة، وتعرض لعملية الهدرجة الجزئية. يتم تعريض الزيت لدرجات حرارة عالية، ثم إضافة الهيدروجين تحت ضغط عالٍ. يتم تذويب الزيوت في مواد ذات قاعدة بترولية، وهي خطوة تساعد في تحسين قوامها وتكوينها الكيميائي. بعد ذلك، تضاف مواد كيميائية لتحسين اللون والرائحة، حيث أن عملية الهدرجة قد تؤدي إلى تغيير في لون ورائحة الزيوت، وتجعلها غير جذابة للاستهلاك البشري بدون معالجة إضافية.
كيف تتم صناعة الزيوت النباتية أو زيوت البذور؟
عملية تصنيع الزيوت النباتية تبدأ باستخراج الزيوت من مصادر نباتية مثل البذور (الكانولا، دوار الشمس، الذرة) أو الثمار (الزيتون). يتم تسخين هذه البذور أو الثمار في درجات حرارة مرتفعة جدًا لاستخراج أكبر كمية من الزيت الممكنة. هذا التسخين يؤدي إلى تدمير بعض المكونات الغذائية في الزيت الطبيعي، لكن الهدف الأساسي هو الحصول على زيت بكميات كبيرة بغض النظر عن الجودة الغذائية.
الخطوة التالية تتضمن تنقية الزيت لإزالة الشوائب والروائح الكريهة التي قد تكون نتجت عن الحرارة العالية. يستخدم في هذه المرحلة العديد من المواد الكيميائية لتحسين اللون والرائحة، وتثبيت الزيت حتى يتمكن من البقاء صالحًا للاستخدام لفترات طويلة. بعد ذلك، يُضاف الهيدروجين لتحويل الزيت السائل إلى دهون صلبة أو شبه صلبة، وهي الدهون المهدرجة التي تدخل في تصنيع المنتجات المختلفة مثل المعجنات والصلصات.
أين توجد الدهون المهدرجة؟
الدهون المهدرجة توجد في مجموعة واسعة من الأطعمة المصنعة والمعلبة. في الواقع، يمكن العثور عليها في العديد من المنتجات التي قد تبدو غير ضارة. على سبيل المثال، توجد في:
- شبيه الجبن: الجبن المصنوع من دهن نباتي، والذي يُعرف في بعض الدول الخليجية باسم "شبيه الجبنة"، يحتوي على نسب عالية من الدهون المهدرجة.
- الأطعمة المعلبة: مثل البسكويت، الكعك، الكورن فليكس، والمخبوزات المختلفة. هذه المنتجات تعتمد على الدهون المهدرجة لزيادة فترة صلاحيتها وتحسين نسيجها.
- الصلصات الجاهزة: مثل الكاتشب، المايونيز، الصلصات الجاهزة للسلطات، والتونة المعلبة.
- الوجبات السريعة: معظم أنواع الوجبات السريعة تحتوي على كميات كبيرة من الدهون المهدرجة نظرًا لاستخدام الزيوت النباتية المهدرجة في عمليات القلي والتحضير.
ما هي خطورة تناول الدهون المهدرجة؟
تناول الدهون المهدرجة يترتب عليه العديد من المخاطر الصحية، التي تجعلها واحدة من أخطر المكونات في النظام الغذائي الحديث. إليك بعض التأثيرات السلبية لتناولها:
1. تشويه أغشية الخلايا
الدهون المهدرجة تؤثر سلبًا على بنية أغشية الخلايا في الجسم. الخلايا تحتاج إلى دهون صحية للحفاظ على مرونتها وأدائها الوظيفي، وعندما يتم تناول الدهون المهدرجة، يتم دمجها في غشاء الخلايا، مما يؤدي إلى تغيير خصائص الخلية وقدرتها على التفاعل بشكل طبيعي.
2. زيادة خطر الإصابة بمرض السكري
تشير الدراسات إلى أن تناول الدهون المتحولة يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. الدهون المهدرجة تساهم في تقليل حساسية الجسم للأنسولين، مما يزيد من مقاومة الأنسولين وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم.
3. زيادة معدلات الالتهاب
الدهون المتحولة تلعب دورًا كبيرًا في زيادة الالتهابات المزمنة في الجسم. هذه الدهون تزيد من إفراز المواد المسببة للالتهاب، والتي بدورها تساهم في تفاقم العديد من الحالات المرضية، بما في ذلك التهاب المفاصل وأمراض القلب.
4. أمراض الأمعاء الالتهابية
تناول الدهون المهدرجة مرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض الأمعاء الالتهابية مثل مرض التهاب الأمعاء، ارتشاح الأمعاء، والتهاب القولون. هذه الدهون تؤثر سلبًا على صحة جدار الأمعاء وتساهم في تفاقم الالتهابات المزمنة.
5. العقم وتأخر الإنجاب
هناك أدلة على أن الدهون المتحولة تؤثر على القدرة الإنجابية للرجال والنساء. تناول كميات كبيرة من هذه الدهون يزيد من خطر العقم ويؤدي إلى تأخر في الإنجاب.
6. هشاشة العظام والتهاب المفاصل
الدهون المهدرجة تؤثر أيضًا على صحة العظام. تؤدي هذه الدهون إلى تقليل امتصاص الجسم للكالسيوم والمغذيات الأخرى الضرورية لصحة العظام، مما يزيد من خطر هشاشة العظام والتهاب المفاصل.
على الرغم من أن الدهون المهدرجة كانت تعتبر في الماضي حلاً اقتصاديًا وعمليًا لتحسين المنتجات الغذائية، إلا أن الأدلة المتزايدة حول تأثيراتها الصحية السلبية جعلت من الضروري الحد من استهلاكها. تدخل هذه الدهون في مجموعة واسعة من الأطعمة المصنعة والمعلبة، وهي تؤثر بشكل كبير على صحة القلب، الأمعاء، والقدرة الإنجابية. من الضروري تبني نظام غذائي صحي يعتمد على الدهون الطبيعية غير المهدرجة وتجنب المنتجات التي تحتوي على الدهون المتحولة للحفاظ على الصحة والوقاية من الأمراض.